رسالة إلى معالي وزير الداخلية فيما يتعلق بملف تأبين عماد مغنية
'لكنهو' مدينة شهيرة في بلاد الهند يقصدها السياح من كل أنحاء الأرض وأرجاء المعمورة ، يوجد في 'لكنهو' بناء قديم يطلق عليه في اللغة الهندية 'بُلْبُليا' وترجمته في لهجتنا المحلية 'نسيته نسيته' !! ، هذا المبنى يحوي عدداً كبيراً من الأبواب بحيث أنه فعلاً ' الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود' والشائع عن هذا المبنى أن من يدخله وليس معه دليلٌ يقوده ويرشده سيكون مصيره الضياع ومن سيتبع المرشد أو الدليل سيصل في النهاية إلى حيث يريد ويخرج سالماً غانماً'
هذه رسالة إلى معالي وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد ولكنها تخص معه كل مواطن كويتي يحترم هذا البلد فعلاً لا قولاً ويرى أن الحاكم الأساس في هذا البلد هو الدستور الكويتي ومن فوقه الشريعة الإسلامية وما يتضمنانه من حاكمية الحق والقسط وما يكفلانه من حرية للتعبير والرأي وسائر حقوق الإنسان التي أراد البعض باسم الوطنية أن يجمدها ويتجاوزها في الفترة الأخيرة.
يا معالي الوزير دعني أخاطبك بصفتك وبصفتي مواطناً يعيش حالة من الذهول والحيرة لكثير من الأمور التي التي شهدناها في الفترة الأخيرة وكنت لاعباً رئيسياً فيها :
1 – كوزير لأحد الوزارات السيادية وممثل عن الأسرة الحاكمة بشكل أو بآخر قد آلمنا وبشدة كشريحة كبيرة في المجتمع الكويتي أن يخرج من معاليكم وأنت المشهود له بالحكمة والحس الدبلوماسي الرفيع والفطنة السياسية عبارات وتوصيفات لعلها قيلت في فترة غضب ولحظة انفعال ومست أخواننا وأهلنا بشكل استفادت منه بعض الجهات المغرضة.
معاليكم قد رأيتم كيف استفادت هذه الجهات الظلامية من تصريحاتكم الوطنية في مبدئها ومنبعها بحيث أنه لو كان تأبين مغنية خطأ فقد عولج لاشك بخطأ أكبر منه من دون أن تلاحظ هذه الجهات في الأقل الأدنى كون الشعب اللبناني كله في حال عزاء والوفود العربية ورسائل التعزية تتوالى على لبنان بشكل متتابع آخرها تعزية السفير السعودي في بيروت رغم أن مغمنية يتهمه البعض بتفجيرات الخبر !!
2 – كمواطن كويتي أنت مسؤول ورجالك عن حمياتي وتوفير الأمن لي ولأهلي فكيف سيكون التعامل مع تهديدات وجهت إلى ثلث الشعب الكويتي – بل قل عائلة كويتية واحدة لا غير – بالتعليق في ساحة الصفاة وغير ذلك من تهديدات معلنة أو مبطنة ؟؟ ألن تتحرك الجهات الأمنية ضد هؤلاء المتجرئين على أمن الكويت وشعبها ؟؟
3 – في خصوص الشهداء ال16 اللذين فسر بعضهم كلامكم رداً على الأخ سيد عدنان عبدالصمد بما يوحي أن معاليكم يؤكد على جرمهم ، مع أن كلامك كان دقيقاً ولم يحمل أي اتهام لهم ولذا أناشدكم بتصريح آخر يتعلق بقضية أبناء الكويت اللذين ضاعوا هدراً وقد بذل سمو الأمير الجهود الحثيثة في إنقاذهم ، ويمكنكم بحكم قربكم وقرابتكم أن تتأكد من سموه حفظه الله وكذلك من سمو الأمير الوالد والشيخ مشعل الجراح رئيس جهاز أمن الدولة من براءتهم.
وأيضاً من جملة اللذين ساهمو بقوة في إطلاق سراح أبناء الكويت شيخ المقاومة مبارك سعود الذي استلمهم بنفسه وعاد بهم إلى الكويت فهل يقبل معاليكم أو يقبل أبناؤنا في الداخلية لاسيما في جهاز أمن الدولة بأن يتهم هذا الرمز الكبير في المقاومة بالتوسط لأناس مجرمين يسعون في تفجير الحرم المكي ؟؟
4 - معاليكم ينبغي أن تقف وزارة الداخلية موقفاً حازماً من اللذين سعوا في وضع الحطب وصب الزيت على نار الفتنة كذاك النكرة الذي اتهم مركز الهادي بأنه معسكر صغير لحزب الله والقائمين عليه هم أبعد الناس عن التوجهات السياسية المختلفة حتى في مجالسهم الخاصة حيث يقدمون النقاشات الفقهية والعلمية على الخوض في لجج السياسة ؟!
وعن اتهامه لمخيم الرضوان وتزويره وتدليسه هنا أيضاً لتشويه صورة مخيم شبابي يحمي أولادنا من خطر الشوارع وضياع العمر على الطرقات بلا فائدة ولا عائدة ومن المخدرات وغيرها من الآفات ليزعم كاذباً أشراً أنه تسمى باسم الحاج رضوان رغم أن المخيم قد أسس قبل سنوات مضت كما أنه يتبع مرجعية وخطاً فكرياً آخر بعيداً عن توجهات حزب الله ؟!
هذا ناهيك عن افترائه في خصوص مسألة أعلام حزب الله والتي هي في الواقع لون لتلك المرحلة العمرية من الأطفال حيث لكل مرحلة عمرية لونها الخاص بها !!
والأهم من هذا ماذا لو كانت الأعلام التي رفعها هؤلاء الأطفال هي لحزب الله ؟؟ لا سيما أنه كان قبل إعلان الحكومة بأن عماد مغنية هو خاطف.
5 – معاليكم تعلمون بمدى التطرف الذي حصل في التعامل مع ملف التأبين ، ولكن برأيي الشخصي أن أخطر مافي هذا الأمر هو اتخاذ إجراءات أمنية ضد من حضروا التأبين من عموم المواطنين ، فهؤلاء لو كانوا يعلمون بموقف الحكومة الرسمي من عماد مغنية ما كانوا ليحضروا هناك ناهيك عن وجود تعتيم إعلامي في هذه الجزئية بل أؤكد لك أن القائمين والمحاضرين في التأبين كانوا سيمتنعون عنه وينأون عنه كما تعلمون.
6 – صاحب المعالي بحرقة قلب أتساءل مع نفسي كيف يمنع محبو حزب الله من تأبينه وعماد مغنية في نظرهم بريء من دم شهداء الكويت براءة الذئب من دم يوسف في حين يسمح لأعضاء في البرلمان وغيرهم من الفعاليات السياسية والإجتماعية ومؤيدوهم – وما أكثرهم – من تمجيد نظام القاعدة الذي صدر لنا ما يسمى بأسود الجزيرة اللذين سفكوا دماء أبطال الكويت البواسل في الداخلية بل وذهب ضحيتهم بعض الكويتيين الأبرياء جراء المصادمات المسلحة بينهم وبين القوى الأمنية في أفراد وزارة الداخلية ، وقد حضر بعض أبناء عمك في سوح القتال ولعله شارك بنفسه في التصدي لهم.
كيف يسمح لهؤلاء بإعلان تعاطفهم مع مجرم ملعون كالزرقاوي واعتباره رمزاً جهادياً وهو الذي أباح دماء الشيعة عوامهم وعلماءهم قولاً وعملاً مع أن الشيعة قطاع كبير من النسيج الإجتماعي الكويتي ؟؟ بل جاوز ذلك ليقتل كل من شارك في العملية السياسية وخالفه الرأي من وجهاء وشيوخ العشائر السنية بالعراق فأي استفزاز لمشاعر الكويتيين شيعة وسنة أكثر من التعزية بأمثال الطاغية.
7 – يزعم القائلون ببراءة القائد عماد مغنية ( الحاج رضوان ) من تهمة خطف الجابرية أن لديهم جملة من الأدلة المحفوفة بالقرائن على صحة قولهم ومدعاهم ، فنطلع معاليكم عليها لعلها تفيدكم وتفيد أبناءكم بالداخلية في تحليل وتحقيق خطف الجابرية.
الدليل الأول : إذا كانت أجهزة الإستخابرات العالمية عاجزة عن معرفة شكل وصورة عماد مغنية والذي ثبت أنه لم تعرض له صورة طوال حياته إلا بعد وفاته كيف تسنى للشهود معرفة شخصه في عام 1988 ؟؟ هل جهازنا الأمني قبل عشرين سنة يساوي في كفاءته وقدراته جهازاً مخابراتياً كالموساد و CIA ؟؟
الدليل الثاني : زعم مساعد الطيار في لقاء مع صحيفة الوطن أنه لم يرَ صورة لعماد مغنية طوال عشرين عاماً إلا بعد اغتياله ، ونفس مساعد الطيار هذا عكف في السنين الماضية على التاكيد في لقاءاته الصحفية على تورط مغنية في الحادثة فكيف عرف ذلك وهو لم يره إلا بعد اغتياله ؟؟
الدليل الثالث : توسط الرئيس الليبي معمر القذافي في عملية خطف الطائرة ؛ كيف ذاك والقذافي متهم من قبل حزب الله وحركة أمل باختطاف مؤسسهما وزارع بذرتها الإمام الهمام والمصلح اللبناني الكبير السيد موسى الصدر وعلاقة الطرفين على أسوء ما يكون ؟؟
الدليل الرابع : لم يطالب خاطفو الطائرة بتحرير عناصر من حزب الله بل طالبوا بتحرير إلياس صعب اللبناني مع شركائه واللذين ينسب إليهم أنهم من عناصر حركة عراقية منشقة عن حزب الدعوة باسم ( الجهاد الإسلامي العراقية ) فكيف حدث الربط بينه وبين عماد مغنية وهو عنصر أساسي في تنظيم حزب الله اللبناني ؟؟
وبالمناسبة كباحث كويتي شاب شغوف بالكثير من المفردات التاريخية الكويتية أطلع معاليكم أنه لا توجد معلومات وافية عن حركة الجهاد الإسلامي العراقية هذه ، وأقصى ما يقال عنها أنها منشقة عن حزب الدعوة العراقي مع أني كلما قرأت وبحثت في تاريخ حزب الدعوة وانشقاقاته لم أجد ولا غيري من الباحثين بحسب اطلاعي ذكراً لهذه الحركة على الإطلاق فنرجو من معاليكم أو أي باحث موضوعي مطلع أن يثرينا ففي هذا الشأن الذي يهم كل مواطن كويتي بعيداً عن قصاصات الصحف الصفراء.
الدليل الخامس : من خلال ما ذكره المحامي الفاضل ( نجيب الوقيان ) والصحفي القانوني ( صباحي الشمري ) في كتابهما الشهير ( أشهر الجرائم السياسية في الكويت ) نصا على أن الخاطفين تركوا الطائرة واختفوا ولم يعلم أحد بهوياتهم وشخوصهم ، فما عدا مما بدا ؟؟ وهذا نص كلامهما حياهما الله وبياهما :
' ..ولقد اختفى هؤلاء الرجال دون أن يتم الكشف عن هوياتهم وجنسياتهم .. وهكذا فقد أسدلالستار على أطول عملية اختطاف بعد مرور ستة عشر يوماً منها ثلاثة أيام في مشهدوخمسة أيام في لارنكا وثمانية في الجزائر ..'
وأكرر السؤال الذي طرحه الكثيرون قبلي :لماذا لم توجه الحكومات السابقة اتهاماتها لحزب الله وعماد مغنية وتطالب المجتمع الدولي بدماء أبنائها والقصاص من قاتلي أبنائنا ؟؟
الدليل السادس : تناقض أقوال الشهود حيث زعم بعضهم انه كان موجوداً منذ بداية خطف الطائرة في تايلند ، وآخر زعم أنه دخل من مطار مشهد إلى الطائرة ، وهناك من قال بأنه لم يره سوى في الجزائر.
الدليل السابع :وليلاحظ معاليكم تناقض أقوال الشهود في شكل ومواصفات عماد مغنية ، فالمضيف المصري قد زعم أنه كان قصيراً والمضيف الآخر زعم بأنه كان طويلاً عريض المنكبين فكيف التوفيق والجميع أم أنه كان مع الإعتذار لامرؤ القيس :
مكرٍ مفرٍ طويلٍ قصيرٍ معاً .. كجلمود صخرٍ حطه السيلً من علِ
الدليل الثامن : زعم أحد الشهود – وهو شقيق معاليكم – أن الخاطفين كانوا متلثمين ومتشددين في تلثمهم وفوق هذا قد عصبوا أعين ركاب الطائرة المستضعفين ، وأن هناك شخص قد بدت بعض ملامحه أو أنه رآه بصورة غير كاملة لفترة قصيرة جداً ، فأشخاص بهذه الدرجة من الحرص والإحتياط كيف يخرج قائدهم المطلوب عالمياً وجهه ليرى الشهود ملامحه ؟؟ وإن كان شقيقكم فوق هذا يقول بأن هذا الشخص كان مساعد مغنية لا مغنية نفسه.
الدليل التاسع : المضايقات الإيرانية للخاطفين سواء في 'كاظمة' التي انتهت حلقتها في مشهد وقد وجهت الحكومة الكويتية الشكر للحكومة الإيرانية على عملية اقتحام الطائرة أو في 'الجابرية' كما يظهر من خلال الكتاب المزبور للأستاذ الوقيان وزميله الأستاذ صباح الشمري ، وأنت لا يخفى عليك ارتباط حزب الله بالجمهورية الإسلامية لدرجة أن خصوم الحزب يتهمونه دائماً بأنه حزب إيراني أو ذراع إيراني ممتد في داخل لبنان كما يدعون ، فكيف نوفق بين الأمرين ؟؟
الدليل العاشر : توسط ياسر عرفات الذي قيل إنه دخل الطائرة وخرج معه الخاطفون وأنتم تعلمون بتوتر العلاقات بين عرفات والجارة إيران في تلك الحقبة الزمنية.
القرائن التي تدعم براءة عماد مغنية من خطف الطائرة :
القرينة الأولى : أخلاقيات حزب الله التي تجسد أخلاق القرآن العزيز وسنة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، أما خاطفو 'الجابرية' فهم مجموعة من القتلة يذبحون بدم بارد وهذا لا يتفق مع حزب الله الذي يعترف أعداؤه وخصومه السياسيون في لبنان بأنه خصم يفرض احترامه ومصداقيته عكس بعض الحلفاء.
القرينة الثانية : في عام 1988 كان حزب الله يعيش حالة من التوتر الامني الكبير نظراً للحرب الأهلية والصدامات الدامية الخطيرة بينه وبين حركة أمل وغيرها من الأحزاب اللبنانية ناهيك عن العدو الإسرائيلي فهل يضحي حزب الله بأحد أبرز عناصره في ظل هذه الظروف المصيرية الخطيرة لتحقيق هدف يمكن تأجيله لمرحلة لاحقة على الأقل.
القرينة الثالثة : أكد الشهود على تعدد جنسيات الخاطفين المجرمين فهناك اللبناني والعراقي والمغربي أو الجزائري ، وهذا كما هو مشهور بعيد كل البعد عن سياسة 'حزب الله' في عدم القبول بأي عناصر غير لبنانية في صفوف الحزب.
أكتفي بهذا القدر معكم يا معالي الوزير راجياً منكم شفاء غليلي فيما يخص هذه التساؤلات ، ثم أتوجه ختاماً لمن تفلسف وأعطى تصوراً مغلوطاً عن مفهوم الوطنية لأقول : الوطنية ليست أن تسلم عقلك للحكومة لتفكر عنك بالنيابة والوكالة ، وليست أن تساير الحكومة على طول الخط ، بل مناط الوطنية هو الحفاظ مصلحة الوطن فقط سواء كانت بتأييد الحكومة أم بمعارضتها ، أما جماعة 'الحكومة أبخص' فهم أصحاب نظرة قاصرة لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث والتفكر في مفهوم الولاء للوطن الذي لن يكون على حساب الولاء لله تعالى والحق ، ناهيك أنهم أنفسهم يناقضون هذا المبدأ في كثير من القضايا من 'زيادة الرواتب' إلى العلاقات الخارجية الدولية مع بعض الدول ، والوطن يا 'نواب المصالح' لا المبادئ يحتاج منا أن نتبع مقولة أمير المؤمنين علي عليه السلام : 'لا يغش العاقل من استنصحه' وبدلاً من الجريان خلف كل ناعق وإخراج ما 'تقرقع' في قلوبكم اتجاه شركائكم في الوطن من أضغان مكبوتة أو العدو خلف الكراسي النيابية وإن كان على حساب مصلحة الوطن الداخلية من خلال المساهمة في تأجيج فتنة كان يمكن التعامل معها بشكل أكثر حكمة ، أو خارجية تتعلق بصورة الكويت وعلاقاتها مع شعوب العالم العربي والإسلامي ، ولا بأس بتوتير العلاقات الخارجية ولكن على أسس ثابتة لا على شكوك تحولت يقينيات لا على أساس العقل بل على أس الهوى !!
مافي القلب كثير ولكن نختم بالمقولة التي يرددها الكثيرون من دون شعور بالمسؤولية المطلوبة والتمعن فيها كما تستحقه : ولاؤنا لله تعالى ثم للوطن ثم للأمير وفقط لا للإعلام لا سيما إعلام سراق المال العام وبعثيي الهوى !!
تجربة : 'سرقم' مطعم هندي في شارع عمان مالكه والعاملون به كلهم من 'لكنهو' وهو مختص فقط بالحلوى الهندية الشهية ، أرى أن يدعو سيد عدنان أو الخلوق المهذب بومحمود لاري صاحب المعالي وزير الداخلية لأكلة خفيفة في 'سرقم' ويتناقشان على مرأى من طبق 'راسمالي' في جو هادئ بسيط بعيد عن إعلام سراق المال العالم وطائفية خفافيش الظلام وأنا متأكد أن أي اجتماع خاص لهؤلاء الأطراف الثلاثة سينهي الأزمة في أقل من ربع ساعة وحينها سنتفرغ لملف 'زيادة الرواتب' و'غلاء الأسعار' !
علي سالم
منقول